سورة الإسراء - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الإسراء)


        


قوله تعالى: {وجعلنا الليل والنهار آيتين} أي: علامتين يدلان على قدرة خالقهما. {فمحونا آية الليل} فيه قولان:
أحدهما: أن آية الليل: القمر، ومحوها: ما في بعض القمر من الاسوداد. وإِلى هذا المعنى ذهب علي عليه السلام، وابن عباس في آخرين.
والثاني: آية الليل محيت بالظلمة التي جعلت ملازمةً لليل؛ فنسب المحو إِلى الظلمة إِذْ كانت تمحو الأنوارَ وتبطلُها، ذكره ابن الأنباري. ويُروى أن الشمس والقمر كانا في النور والضوء سواءً، فأرسل الله جبريل فأمرَّ جناحه على وجه القمر وطمس عنه الضوء.
قوله تعالى: {وجعلنا آية النهار} يعني: الشمس {مبصرة} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: منيرة، قاله قتادة. قال ابن الأنباري: وإِنما صلح وصف الآية بالإِبصار على جهة المجاز، كما يقال: لعب الدهر ببني فلان.
والثاني: أن معنى {مبصرة}: مبصراً بها، قاله ابن قتيبة.
والثالث: أن معنى {مبصرة} مُبَصِّرَةً، فجرى مُفْعِلْ مجرى مُفَعِّل، والمعنى: أنها تُبَصِّر الناس، أي: تُريهم الأشياء، قاله ابن الأنباري. ومعاني الأقوال تتقارب.
قوله تعالى: {لتبتغوا فضلاً من ربكم} أي: لتبصروا كيف تتصرفون في أعمالكم وتطلبون رزقكم بالنهار {ولتعلموا عدد السنين والحساب} بمحو آية الليل، ولولا ذلك، لم يعرف الليل من النهار، ولم يُتبين العدد. {وكلَّ شيء} أي: ما يُحتاج إِليه: {فصَّلناه تفصيلا} بيَّنَّاه تبيناً لا يلتبس معه بغيره.


قوله تعالى: {وكلَّ إِنسانٍ} وقرأ ابن أبي عبلة {وكلُّ} برفع اللام. وقرأ ابن مسعود، وأُبَيٌّ، والحسن {ألزمناه طَيْره} بياء ساكنة من غير ألف.
وفي الطائر أربعة أقوال.
أحدها: شقاوته وسعادته، قاله أبو صالح عن ابن عباس. قال مجاهد: ما من مولود يولد إِلاَّ وفي عنقه ورقة مكتوب فيها شقي، أو سعيد.
والثاني: عمله، قاله الفراء، وعن الحسن كالقولين.
والثالث: أنه ما يصيبه، قاله خصيف. وقال أبو عبيدة حظُّه.
قال ابن قتيبة: والمعنى فيما أرى والله أعلم: أن لكل امرئٍ حظاً من الخير والشر قد قضاه الله عليه، فهو لازم عنقه، والعرب تقول: لكل ما لزم الإِنسان: قد لزم عنقه، وهذا لك عليَّ وفي عنقي حتى أخرج منه، وإِنما قيل للحظ من الخير والشر: طائر، لقول العرب: جرى له الطائر بكذا من الخير، وجرى له الطائر بكذا من الشر، على طريق الفأل والطِيَّرة، فخاطبهم الله بما يستعملون، وأعلمهم أن ذلك الأمر الذي يجعلونه بالطّائر، هو الذي يُلزمه أعناقهم.
وقال الأزهري: الأصل في هذا أن الله تعالى لما خلق آدم، علم المطيع من ذريته، والعاصي، فكتب ما علمه منهم أجمعين، وقضى سعادةَ من علمه مطيعاً، وشقاوة مَن علمه عاصياً، فصار لكل منهم ما هو صائر إِليه عند خلقه وإِنشائه، فذلك قوله: {ألزمناه طائره في عنقه}.
والرابع: أنه ما يَتطيَّر من مثله من شيء عمله، وذِكْرُ العنق عبارة عن اللزوم له، كلزوم القلادة العنق من بين ما يلبس، هذا قول الزجاج. وقال ابن الأنباري: الأصل في تسميتهم العمل طائراً، أنهم كانوا يتطيَّرون من بعض الأعمال.
قوله تعالى: {ونُخرج له} قرأ أبو جعفر: {ويُخْرَج} بياء مضمومة وفتح الراء. وقرأ يعقوب، وعبد الوارث: بالياء مفتوحة وضم الراء. وقرأ قتادة، وأبو المتوكل: {ويُخرِج} بياء مرفوعة وكسر الراء. وقرأ أبو الجوزاء، والأعرج: {وتَخرُجُ} بتاء مفتوحة ورفع الراء، {يوم القيامة كتاباً} وقرأ ابن عباس، وعكرمة، والضحاك: {كتاب} بالرفع، {يلقاه} وقرأ ابن عامر، وأبو جعفر: {يُلقَّاه} بضم الياء وتشديد القاف. وأمال حمزة، والكسائي القاف. قال المفسرون: هذا كتابه الذي فيه ما عمل. وكان أبو السّوّار العَدَوي إِذا قرأ هذه الآية قال: نشرتان وطيَّة، أمَّا ما حييتَ يا ابن آدم، فصحيفتُك منشورة، فأَمْلِ فيها ما شئت، فاذا مُتَّ، طُويت، ثم إذا بُعثت، نُشرت.
قوله تعالى {إِقرأ كتابك} وقرأ أبو جعفر: {اقرا} بتخفيف الهمزة، وفيه إِضمار، تقديره، فيقال له إِقرأ كتابك. قال الحسن: يقرؤه أُمِّياً كان أو غير أُميٍّ، ولقد عدل عليك مَن جعلك حسيب نفسك.
وفي معنى {حسيباً} ثلاثة أقوال.
أحدها: محاسِباً. والثاني: شاهداً. والثالث: كافياً، والمعنى: أن الإِنسان يفوَّض إِليه حسابه، ليعلم عدل الله بين العباد، ويرى وجوب حجة الله عليه، واستحقاقه العقوبة، ويعلم أنه إِن دخل الجنة، فبفضل الله، لا بعمله، وإِن دخل النار، فبذنبه. قال ابن الأنباري: وإِنما قال: {حسيباً}، والنفس مؤنثة، لأنه يعني بالنفس: الشخص، أو لأنه لا علامة للتأنيث في لفظ النفس، فشبِّهت بالسماء والأرض، قال تعالى: {السماء منفطر به} [المزمل: 18]، قال الشاعر:
فلا مُزْنَةٌ وَدَقَتْ وَدْقها *** ولا أرضَ أبقلَ إِبقالَها


قوله تعالى: {من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه} أي: له ثواب اهتدائه، وعليه عقاب ضلاله.
قوله تعالى: {ولا تزرُ وازرةٌ} أي: نفس وازرة {وزر أخرى} قال ابن عباس: إِن الوليد بن المغيرة قال: اتبَّعوني وأنا أحمل أوزاركم، فقال الله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى}، قال أبو عبيدة: والمعنى: ولا تَأثَمْ آثمة إِثم أخرى. قال الزجاج: يقال: وزَر، يَزِرُ، فهو وازِر، وَزراً، ووِزراً، ووِزْرةً، ومعناه: أثِم إِثماً.
وفي تأويل هذه الآية وجهان.
أحدهما: أن الآثم لا يؤخذ بذنب غيره.
والثاني: أنه لا ينبغي أن يعمل الإِنسان بالإِثم، لأن غيرَه عَمِلَه كما قال الكفار: {إِنّا وجدنا آباءنا على أمة} [الزخرف: 22]. ومعنى {حتى نبعثَ رسولاً} أي: حتى نُبيّنَ ما به نعذِّب، وما من أجله نُدخلُ الجنة.
فصل:
قال القاضي أبو يعلى: في هذا دليل على أن معرفة الله لا تجب عقلا، وإِنما تجب بالشرع، وهو بعثة الرسل، وأنه لو مات الإِنسان قبل ذلك، لم يقطع عليه بالنار. قال: وقيل معناه: أنه لا يعذِّب في ما طريقه السمع إِلاَّ بقيام حجة السمع من جهة الرسول، ولهذا قالوا: لو أسلم بعض أهل الحرب في دار الحرب ولم يسمع بالصلاة والزكاة ونحوها، لم يلزمه قضاء شيء منها، لأنها لم تلزمه إِلاَّ بعد قيام حجة السمع، والأصل فيه قصة أهل قُباء حين استداروا إِلى الكعبة ولم يستأنفوا، ولو أسلم في دار الإِسلام ولم يعلم بفرض الصلاة، فالواجب عليه القضاء، لأنه قد رأى الناس يصلُّون في المساجد بأذان وإِقامة، وذلك دعاء إِليها.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8